سورة المنافقون - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المنافقون)


        


{إِذَا جَاءكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} الشهادة إخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع، ولذلك صدق المشهور به وكذبهم في الشهادة بقوله: {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون} لأنهم لم يعتقدوا ذلك.
{اتخذوا أيمانهم} حلفهم الكاذب أو شهادتهم هذه، فإنها تجري مجرى الحلف في التوكيد، وقرئ: {إيمانهم} {جُنَّةُ} وقاية من القتل والسبي. {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صداً أو صدوداً. {إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من نفاقهم وصدهم.
{ذلك} إشارة إلى الكلام المتقدم أي ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم، أو إلى الحال المذكورة من النفاق والكذب والاستجنان بالإِيمان. {بِأَنَّهُمْ آمَنُوا} بسبب أنهم آمنوا ظَاهراً. {ثُمَّ كَفَرُواْ} سراً، أو {ءامَنُواْ} إذا رأوا آية {ثُمَّ كَفَرُواْ} حيثما سمعوا من شياطينهم شبهة. {فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} حتى تمرنوا على الكفر فاستحكموا فيه. {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} حقية الإِيمان ولا يعرفون صحته.
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم} لضخامتها وصباحتها. {وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} لذلاقتهم وحلاوة كلامهم، وكان ابن أبيّ جسيما فصيحاً يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع مثله، فيعجب بهيكلهم ويصغي إلى كلامهم. {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} حال من الضمير المجرور في {قَوْلُهُمْ} أي تسمع لما يقولونه مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحاً خالية عن العلم والنظر، وقيل ال {خُشُبٌ} جمع خشباء وهي الخشبة التي نُخِرَ جَوْفُهَا، شبهوا بها في حسن المنظر وقبح المخبر، وقرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل عن ابن كثير بسكون الشين على التخفيف، أو على أنه كبدن في جمع بدنة {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} أي واقعة عليهم لجبنهم واتهامهم، ف {عَلَيْهِمْ} ثاني مفعولي {يَحْسَبُونَ}، ويجوز أن يكون صلته والمفعول: {هُمُ العدو} وعلى هذا يكون الضمير للكل وجمعه بالنظر إلى الخبر لكن ترتب قوله: {فاحذرهم} عليه يدل على أن الضمير للمنافقين. {قاتلهم الله} دعاء عليهم وهو طلب من ذاته أن يلعنهم، أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك. {أنى يُؤْفَكُونَ} كيف يصرفون عن الحق.
{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُؤُوُسَهُمْ} عطفوها إعراضاً واستكبارً عن ذلك، وقرأ نافع بتخفيف الواو. {رُءوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ} يعرضون عن الاستغفار. {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عن الاعتذار.


{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} لرسوخهم في الكفر. {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين} الخارجين عن مظنة الاستصلاح لانهماكهم في الكفر والنفاق.
{هُمُ الذين يَقُولُونَ} أي للأنصار. {لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ} يعنون فقراء المهاجرين.
{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السموات والأرض} بيده الأرزاق والقسم. {ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ} ذلك لجهلهم بالله.
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل} روي أن أعرابياً نازع أنصارياً في بعض الغزوات على ماء، فضرب الأعرابي رأسه بخشبة، فشكى إلى ابن أُبيّ فقال: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا، وإذا رجعنا إلى المدينة فليخرجن الأعز منها الأذل، عنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقرئ: {لَيُخْرِجَنَّ} بفتح الياء و{لَيُخْرِجَنَّ} على بناء المفعول و{لنخرجن} بالنون، ونصب {الأعز} و{الأذل} على هذه القراءات مصدر أو حال على تقدير مضاف كخروج أو إخراج أو مثل. {وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ولله الغلبة والقوة ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين.
{ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ} من فرط جهلهم وغرورهم.
{يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أموالكم وَلاَ أولادكم عَن ذِكْرِ الله} لا يشغلكم تدبيرها والاهتمام بها عن ذكره الصلوات وسائر العبادات المذكرة للمعبود، والمراد نهيهم عن اللهو بها. وتوجيه النهي إليها للمبالغة ولذا قال: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} أي اللهوا بها وهو الشغل. {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} لأنهم باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني.
{وَأَنفِقُواْ مِمَّا رزقناكم} بعض أموالكم إدخاراً للآخرة. {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الموت} أي يرى دلالته {فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى} هلا أمهلتني. {إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ} أمد غير بعيد. {فَأَصَّدَّقَ} فأتصدق. {وَأَكُن مّنَ الصالحين} بالتدارك، وجزم {أَكُنْ} للعطف على موضع الفاء وما بعده، وقرأ أبو عمروا {وأكون} منصوباً عطفاً على {فأصادق}، وقرئ بالرفع على وأنا أكون فيكون عدة بالصلاح.
{وَلَن يُؤَخّرَ الله نَفْساً} ولن يمهلها. {إِذَا جَاء أَجَلُهَا} آخر عمرها. {والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فمجاز عليه، وقرأ أبو بكر بالياء ليوافق ما قبله في الغيبة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المنافقين برئ من النفاق».